بعض العبر والدروس في سورة يوسف 5

يبرز فيها ويستثمرها فيما ينفعه وينفع به الإسلام والمسلمين. قال r :«نعمتان مغبون فيها كثير من الناس ؛ الصحة والفراغ» رواه البخاري.

الدرس الثاني : في تأويل الأحلام ؛ فالرؤى لها مقام عظيم من أول البشرية، وكانوا يعتنون بها؛ ولهذا قلّ أن يكون زمن إلا وفيه معبِّرون يعتنون بتعبير الرؤيا ويهتمون بذلك ، والرسول r بيّن لنا أصول الرؤى لهذا ثبت في الصحيح -صحيح مسلم- أنّ النبي r قال «والرؤيا ثلاثة : فالرؤيا الصالحة بشرى من الله, ورؤيا تحزين من الشيطان, ورؤيا مما يحدث المرء نفسه » فالرؤيا تنقسم إلى:

1- رؤيا صالحة من الله.

2- رؤيا من الشيطان فيتلاعب بالإنسان ليريه ما يغيظه، أو ما يكرهه، وينغص عليه منامه، عن جابر t عن رسول الله r أنه قال لأعرابي جاءه فقال : إني حلمت أن رأسي قُطع فأنا أتبعه. فزجره النبي r وقال :«لا تُخبر بتلعُّب الشيطان بك في المنام» رواه مسلم.

3- رؤيا من خواطر النفس فيرى ما شغل باله أو رأى ما أثّر عليه من بدنه.

وللرؤيا آداب كثيرة وردت في أحاديث الرسول r ومنها قال أبو سلمه: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني, حتى سمعت أبا قتادة يقول : وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي r يقول :«الرؤيا الحسنة من الله, فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلاّ من يحب, وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها , ومن شر الشيطان وليتفل ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنها لا تضره» رواه البخاري.

وعن جابر t عن الرسول r أنه قال :«إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً وليستعيذ بالله من الشيطان ثلاثاً, وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» رواه مسلم.

وذكر ابن القيم رحمه الله آداب الرؤيا فقال :"آداب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء: أن يحمد الله عليها, وأن يستبشر بها, وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره. وآداب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء: أن يتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان, وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثاً, ولا يذكرها لأحد أصلاً".

لذلك على المؤمن أن لا يسأل عن تفسير كل ما يرآه، وعليه إن سأل أن يتحرّى الذين يعلمون تأويل الرؤى , لأن تفسير الرؤى علم من العلوم الذي لا يجوز الكذب فيه, وليس كل من عُِرف بتأويل الرؤيا وأصاب في كثير منها يلزم منه أن يصيب دائما. ومن الأمور التي يجب الابتعاد عنها تأويل الرؤيا عن طريق الاطلاع على كتب تفسير الأحلام, وذلك لاختلاف التفسير على حسب صاحبها وحاله .
ثامناً : الاعتراف بالخطأ فضيلة

لقد أخطأ أخوة يوسف على أخيهم يوسف u ومن قبله على أبيهم يعقوب u ولكنهم منذ أن عرفوا يوسف u بادروا بالاعتذار عمّا بدر منهم من إساءة في حقه وطلبوا منه الصفح عنهم فقال تعالى: ]قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ[ (يوسف:91).

وكذلك عندما جاء البشير وألقى قميص يوسف u على وجه يعقوب u وارتد بصيراً قالوا لأبيهم: ] قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ [ (يوسف:97). فهنا عرفوا الخطأ الذي ارتكبوه مع أبيهم فبادروا بالاعتذار.

وهكذا المسلم لا بد أن يحرص كل الحرص على أن لا يقع منه ما يوجب العذر فمقام الاعتذار صعب عسير ولكنه بالمقابل مقام شريف وأكرم بصاحبه وأنعم إذ وفق لاختيار سبيل الرشاد والرجوع إلى الحق وعدم التمادي في الباطل , فإذا وقع منه الخطأ في حق الآخرين فعليه أن يبادر إلى الاعتذار منه حتى يُعذِره فيتجنب بذلك المشاكل الكثيرة ويزيل ما يعلق بالقلوب من البغضاء والخلاف والضغائن, فبالاعتذار تصفو القلوب وتمحى الذنوب.
تاسعاً : الدفع بالتي هي أحسن

في القصة دروس في التسامح والعفو عن المسيء ومقابلته بالإحسان, فيوسف كان باستطاعته عندما تعرف على أخوته أن يقول أي تهمة ضدهم ليزج بهم في السجن , ولكن سمو نفسه وترفعه عن الانتقام جعله يأبى أن ينزلق في هذا الأمر ولكن قابل الإساءة بالإحسان فزاد كيلهم وردّ ثمن البضاعة لهم وهم لا يعرفون أنه أخوهم , وعندما كشف يوسف عن هويته وأدرك إخوته أنه وزير الملك وشعروا في هذا الموقف بعظم الجـرم الذي اقترفوه في حق يوسف u قال تعالى:] قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ[ فأجابهم يوسف بهذا الجواب المفعم بالعطف الأخوي والمسامحة قال تعالى: ]قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [(يوسف:92).

فقد كان يوسف u يتحلى بمكارم الأخلاق فاخذ بالعفو وترك إساءة أخوته , بل زاد على ذلك بالصفح عنهم وكأن خطأهم عليه لم يكن , وزاد على ذلك بالدعاء لهم وطلب المغفرة لهم من الله سبحانه , وطلب منهم إحضار والديه وأهلهم جميعاً من البدو, وقربهم إليه , وأحسن إليهم غاية الإحسان حيث ذكر حاله في السجن ولم يذكر حاله في الجب, ليبين لهم تمام عفوه عن إخوته, وأنه لا يذكر ذلك الذنب لهم , قال تعالى:] وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[ (يوسف:100), وهذا غاية الكرم والإحسان من يوسف u لأخوته وهذا ما يجب أن يتحلى به المؤمن من العفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان , فالدفع بالتي هي أحسن إحدى صور الإحسان الذي يقضي على العداوات بين الناس ويبدلها صداقة حميمة ومودة رحيمة , وتنطفئ بذلك نار الفتن , وتنتهي أسباب الصراعات قال تعالى: ]وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [ (فصلت:34).

عاشراً: خير الخطاءين التوابون تبين سورة يوسف قصص للتائبين والمستغفرين وأثر التوبة والاستغفار في الحياة وقد ذكر الله سبحانه أن أخوة يوسف تابوا وأنابوا باعترافهم بخطئهم حيث قالوا ليوسفu قال تعالى:} تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ[ يقولون معترفين له بالفضل

أكرر الشكر والتقدير على موضوعك

تقبل تحياتي
أخوك

يمني أصيل

» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 1
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 2
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 3
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 4
» واخيراً بعض العبر والدروس في سورة يوسف 6