بعض العبر والدروس في سورة يوسف 3

ولذلك لابد من الأخذ بأسباب العفة التي منها :-

1- حرص المؤمن على دينه فيعمل على زيادة إيمانه و تقوية صلته بالله سبحانه,التي بها يسمو ويرتفع عن الوقوع في المعاصي والمزالق , فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, ومن زاد إيمانه زاد خوفه من الله ومراقبته في كل لحظاته , فإذا عرضه عارض من فتنة كان إيمانه حاجزاً له عن ارتكابها والوقوع فيها, وقد عصم الله يوسف u هنا بسبب إيمانه وإخلاصه العبادة لله سبحانه, قال تعالى: ]كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[ (يوسف:24) وكذلك يحرص المؤمن على تعميق محبة الله عز وجل في قلبه حتى لا تتعلّق نفسه بالشهوات وما حرم الله, فلا يجتمع في قلبه حب الله سبحانه وحب معصيته, بل حبه لله يقتضي البعد عن كل ما يؤثر على هذه المحبة والعمل على كل ما يزيدها ويقويها .

2- تجنب مواطن الريبة واتقاؤها فيبتعد المرء عن مواطن الشبهات , ويدفع عن نفسه الشك فإذا كان تصرف معين يجعل الناس يرتابون فيه فلا يفعله ولا يصاحب أصحاب الريب والمشبوهين الذين لا خلاق لهم , فإنهم إن لم يجروه إلى الفساد فإنهم يشوهون سمعته نتيجة صلته بهم وصداقته لهم .

ومن تجنب مواطن الريبة: البعد عن التبرج والسفور , فالستر والحجاب عنوان عفاف المرأة وصمام أمان للمجتمع بأسره , فيحفظها من أعين الرجال فلا تفتتن بهم ولا تفتنهم , فتكون سبباً في حفظ نفسها وحفظ غيرها من الوقوع في المحرمات , فعن النعمان بن بشير t قال : سمعت رسول الله r يقول : « فمن اتق الشبهات استبرأ لدينه وعرضه , ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ,كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه , ألا وإن لكل ملك حمى , ألا وإن حمى الله محارمه» رواه مسلم .

وقد اختار يوسف u السجن على أن يستجيب لأمر امرأة العزيز قال تعالى : ]قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ[ (يوسف:33)

فاستحب السجن والعذاب الدنيوي على لذة حاضرة توجب العذاب الشديد, فإن من الجهل إيثار لذة قليلة منغصة على لذات متتابعات ونعيم مقيم في جنات النعيم, لذلك على المسلم الابتعاد مباشرة عن موقع الفتنة حتى يحفظ نفسه من الوقوع في المعصية .

3- حرص المسلم على السمعة الحسنة وعلى تبرئة نفسه من كل ريبة , فيوسف u بعد سجنه أراد الملك إخراجه منه فأبى يوسف u الخروج حتى يتأكدوا من براءته وحسن سمعته , فقال تعالى :] فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ[ (يوسف: من الآية50) فلما تبين براءته مما نسب إليه من الوقوع في المعصية, خرج وهو نقي العرض حسن السمعة عليه الصلاة والسلام.
رابعاً : الاهتمام بأعمال القلوب :

عندما نتأمل سورة يوسف نجد فيها التطبيق العملي لأعمال القلوب ظاهراً واضحاً فنجد فيها الاستعانة بالله والتوكل عليه والتفاؤل وحسن الظن بالله والثقة بنصره وبوعده , فيعقوب u لم ييأس من عودة ابنه يوسف u حتى بعد مرور عدة سنين على فراقه,قال تعالى : ]يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[ (يوسف:87). فاليأس إذا دخل على النفوس والقلوب فشلت وخارت, وقعدت عن فعل الأسباب؛ والمؤمن متفائل حتى في أحلك الظروف وأشد الأحوال, منشرح صدره بحسن الظن بربه , مؤمل كل خير منه سبحانه وتعالى,فعن أبي هريرة t قال : قال النبي r :«يقول الله تعالى:أنا عند ظن عبدي بي» رواه البخاري ومسلم. وهذا مما يقوي العزائم ويبعث على الجد في تحصيل الأمور, ويعين على بذل الجهد في التغلب على المصاعب التي تواجه المؤمن . ويعقوب u ضرب لنا أروع المثل في حسن الظن بالله والتفاؤل في أشد الظروف, وذلك عندما جاءه خبر حجز ابنه الأصغر في مصر, قال تعالى: ]فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[ (يوسف:83)

ومن أعمال القلوب الاستعانة بالله سبحانه على الصبر وقت الشدائد والمحن فهذا يعقوب u استعان بالله سبحانه وتعالى على الصبر في محـنته بفقد ابنه, فقال تعالى:] فَصَبْرٌ جَــمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [ (يوسف: من الآية18) فهو مفوّض أمره إلى الله مطمئن به,متوكل عليه , فالله سبحانه هو الخالق المدبر الجالب للمنافع الدافع للمضار.
وطلب الاستعانة من الله من أعمال القلوب التي يظهر فيها إيمان المرء بالله ومعرفته بخالقه, فمن أعانه الله فلا خاذل له ومن خذله الله فلا ناصر له , وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس, فالمؤمن لا يتحول من حال إلى حال ولا قوة له على ذلك إلا بالله عز وجل , وهذا معنى قول المؤمن: (( لا حول ولا قوة إلا بالله )).

وكذلك من صور أعمال القلوب في هذه السورة استعانة يوسف u بالله سبحانه في صرف أذى امرأة العزيز عنه قال تعالى :] وإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ[ (يوسف: من الآية33) فينبغي للعبد أن يلجأ إلى الله ويحتمي بحماه عند وجود أسباب المعصية , ويتبرأ من حوله وقوته.

ومن أعمال القلوب أيضاً التوكل واعتماد القلب على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة فقد قال الله: ] وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [ (يوسف:67) فقد عَمِل بالأسباب حين أمر أبناءه أن يدخلوا من أبواب متفرقة , ولا يدخلون من باب واحد حتى يتجنبوا سوء الظن من أهل المدينة(مصر) وكذلك حتى يتجنبوا حسد الحاسدين وأعين العائنين, ثم فوّض أمره إلى الله فما قضى وحكم به لابد أن يقع , وهذا كمال التوكل عليه سبحانه .فإن التوكل لا ينافي اتخاذ الأسباب, واتخاذ الأسباب لا يمنع وقوع القدر ولذلك قال سبحانه وتعالى:] وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون [ (يوسف:68).

صحيح والله موضوعك حلو..3شكرا

زائر

موضوع جميل على صفات المومنين

مشكور

وتقبل خالص تحياتي
العسكري

وانا كذلك قائلين انهو حلوة واتمنه اجمل
وامشكور السلام عليكم ورحمة الله وبركة
المشرف زيد الو صابي

زائر

درسنا وتعبرنا
مشكور
على الموضوع

» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 1
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 2
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 4
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 5
» واخيراً بعض العبر والدروس في سورة يوسف 6