بعض العبر والدروس في سورة يوسف 2

والمصيبة الأخرى عند سجن ابنه الثاني من قبل عزيز مصر حيث اتهم بالسرقة, ولكنه ما زاد أن قال, قال تعالى: ]قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[ (يوسف:83).

فقد حزن لهاتين المصيبتين واشتد بكاؤه حتى ابيضت عيناه من البكاء وعندما راجعه أبناؤه في ذلك قال لهم: ]قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[ (يوسف:86). فالشكوى إلى الله وحده وتسليم الأمور إليه والرضا بقدره وقضاؤه والصبر على أقداره من صفات المؤمنين الصادقين, والله يبتلي عباده ليمتحن صبرهم وليسمع شكواهم وتضرعهم, ونبي الله يوسف u ابتلي بعدة ابتلاءات ومحن وتعرض للهم والغم في مواقف كثيرة منها:

1-محنة كيد إخوته لإبعاده عن أبيهم , حيث أجمعوا على أن يخرجوا به إلى خارج المدينة ثم يلقوه في غيابة الجب: ]فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ [ (يوسف:15)

2- محنة الرق حيث وجده بعض المارة فأسرّوه بضاعة قال تعالى:]وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ [ (يوسف:20). ثم باعوه على عزيز مصر فعاش عيشة الرغد والنعيم في قصره. .قال تعالى: ]وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [ (يوسف:21).

3- محنة كيد امرأة العزيز والنسوة له وما صاحبها من إغراء وفتنة, فتذكر يوسف مقام ربه فنهى النفس عن الهوى: قال تعالى: ]وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [ (يوسف:24)

4- محنة السجن بعد رغد العيش في قصر العزيز مع وجود البراهين الدالة على براءته مما نسب إليه. قال تعالى:]ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ[ (يوسف:35).

5- محنة الأمانة وتحمل المسؤولية, حيث اتخذه الملك وزيراً له على خزائن الأرض قال تعالى: ] وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ[ (يوسف:54).

وبعد كل هذه المحن والتي واجهها يوسف وأبوه u بالصبر , واستعانا بالله على تفريجها؛ أذن الله سبحانه بالفرج, وحصل التلاقي ليوسف مع أبيه وإخوته فتم بذلك الأجر لهما جميعاً وحصل لهما السرور ولهذا فقد توجه يوسف إلى ربه بالحمد والشكر والثناء .

وهذا هو ديدن المؤمن صبور عند البلاء شكور عند النعماء أمره كله خير إن أصابته ضراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له.

المسلم لا يجزع مما يصيبه ولا يحزن, فإن الجزع لا يرد فائتاً ولا يدفع قدراً, فأقدار الله جارية وقضاؤه تعالى نافذ, صبر العبد أم جزع,غير أنه مع الصبر الأجر ومع الجزع الوزر, وفلنكن من الصابرين الذين أثنى عليهم الله عز وجل بقوله :) وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [ (البقرة:155-157) ولنكثر من الدعاء وخاصة دعاء الكرب فقد كان رسول الله r يقول عند الكرب « لاإله إلا الله العظيم الحليم,لاإله إلا الله رب العرش العظيم,لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» رواه البخاري. وقال r : «دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين , وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت» رواه ابن حبان, وقال الأرناؤوط : صحيح.

وعلى العبد أن يكثر من سؤال الله العافية حتى لا يقع عليه البلاء قال r: «سلوا الله العفو والعافية , فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية»رواه الترمذي, وقال الألباني :حسن صحيح.
ثالثاً: البعد عن مواطن الفتن :

ومن الدروس العظيمة التي نستفيدها من سورة يوسف قصته مع امرأة العزيز ففيها تنجلي العفة في أعلى رتبها ومقاماتها وفيها أيضاً تتضح قوة الإرادة والخوف من الله عز وجل، فالنفس أمارة بالسوء وامرأة العزيز هيأت جميع الأسباب التي تسهل عليه مطاوعتها فيما تريد , وهي ذات منصب وجمال ومع ذلك قال لها, قال تعالى: ] قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ[ (يوسف:23)

أي أعوذ بالله من أن أفعل هذا الفعل القبيح فهذا مما يُسخط الله ويُبعد عنه , فقد التجأ وأعتصم u بالله سبحانه حتى يدفع عنه ما تدعوه إليه امرأة العزيز, ومن التجأ إلى الله عصمه من كل مكروه , والالتجاء إلى الله دليل على يقظة الإيمان في النفس ومراقبته لله سبحانه واستشعاره اطلاع الله عليه وخوف العبد من الله سبحانه, فهو الحامي من الوقوع في أسباب الغواية. وتذكّر أيضاً إحسان العزيز له بعد أن اشتراه من السيارة وقال لامرأته } أَكْرِمِي مَثْوَاهُ { ثم ابتعد مباشرة عن موقع المعصية } وَاسْتَبَقَا الْبَابَ { ثم بعد ذلك يظهر الحق ويتجلى الصدق من يوسف u في عفته وطهارته ويشهد الشاهد من أهلها على ذلك؛ وقد أورد الله سبحانه قصة يوسف مع امرأة العزيز حتى نأخذ منها العبر والعظات خاصة في هذا العصر الذي امتلأ بالفتن والمثيرات والمغريات التي يقصد منها أعداء الدين إشاعة الفاحشة بين شباب المسلمين, ويبين فيها أسباب السلامة والوقاية فيستطيع المؤمن الصمود أمامها فيحافظ على عفته ودينه؛ وقد رتّب الله سبحانه الأجر العظيم لمن حافظ عليها فعن أبي هريرة t عن النبي r قال: «سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظّله يوم لا ظل إلا ظله : وذكر منها, ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إني أخاف الله » رواه البخاري.

أكرر الشكر والتقدير على موضوعك

تقبل تحياتي
أخوك

يمني أصيل

» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 1
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 3
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 4
» بعض العبر والدروس في سورة يوسف 5
» واخيراً بعض العبر والدروس في سورة يوسف 6